جمال حمدان (1928–1993) هو واحد من أعلام الفكر الجغرافي في العالم العربي، وعَلَم بارز في مدرسة الجغرافيا السياسية التي تربط بين طبيعة المكان ومسار التاريخ وتطور الحضارات. وُلد في قرية ناي بمحافظة القليوبية عام 1928، وتخرج في قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم حصل على بعثة للدراسة في جامعة ريدنج بالمملكة المتحدة حيث نال درجة الدكتوراه في الجغرافيا السياسية.
امتاز جمال حمدان بقدرة فريدة على الربط بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة، ليخرج بفلسفة خاصة ترى أن “المكان يصنع الإنسان، والإنسان يصوغ التاريخ”. هذه الرؤية ظهرت بوضوح في أهم وأشهر مؤلفاته “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان”، وهو عمل موسوعي ضخم تناول فيه مصر من كافة أبعادها الطبيعية، والبشرية، والحضارية، والسياسية، مُقدِّمًا تفسيرًا متكاملاً لعبقرية الموقع والمكان في تشكيل الشخصية المصرية على مدار آلاف السنين.
لم تقتصر أعماله على دراسة مصر فقط، بل كتب أيضًا عن العالم العربي، والعالم الإسلامي، والصراع العربي–الإسرائيلي، وأصدر مؤلفات مثل “استراتيجية الاستعمار والتحرير” و**”اليهود أنثروبولوجيًا”**، بالإضافة إلى كتابات متخصصة في الجغرافيا الاقتصادية والسياسية.
كان جمال حمدان مثالاً للمفكر المستقل؛ فقد عاش بعيدًا عن الأضواء، متفرغًا تمامًا للبحث والكتابة، ورفض المناصب الرسمية والعروض الأكاديمية بالخارج. كما كان شديد الدقة في أبحاثه، يعتمد على المعلومة الموثقة والتحليل العميق، ما جعل كتبه مرجعًا علميًا وفكريًا لأجيال من الباحثين.
توفي في ظروف غامضة عام 1993، لكن إرثه العلمي والفكري ما زال حاضرًا بقوة في الدراسات الجغرافية والسياسية، حيث ترك للأمة إرثًا فكريًا يعكس وعيًا عميقًا بدور الجغرافيا في صياغة التاريخ والمستقبل. لقد كان بحق “عالم المكان”، وصوتًا فكريًا مخلصًا لقضايا مصر والعالم العربي.
تابع الفيديو